ماذا لو لم تُحرق مكتبة الإسكندرية؟


رحلة إلى عالم لم يُفقد فيه عقله

في تاريخ البشرية، هناك القليل من الخسائر التي يتردد صداها بحسرة وألم مثل دمار مكتبة الإسكندرية العظمى. لم تكن مجرد مجموعة من الكتب، بل كانت العقل الجماعي للعالم القديم، منارة للمعرفة أضاءت لقرون. احتراقها لم يكن مجرد حرق للورق، بل كان حرقًا للذاكرة، وتأخيرًا لنهضة البشرية لقرون. ولكن، ماذا لو؟ ماذا لو في خط زمني آخر، نجت المكتبة من نيران التاريخ؟ دعونا نفتح بوابة إلى هذا العالم البديل، ونرى كيف كان سيبدو شكل حضارتنا.


نقطة التحول التاريخي

ثورة علمية في العصور المظلمة

في عالمنا، دخلت أوروبا في "العصور المظلمة" بعد سقوط روما، وضاعت معظم المعارف اليونانية والرومانية. استغرق الأمر ألف عام حتى أعيد اكتشاف وترجمة جزء بسيط من هذه الأعمال، مما أدى إلى عصر النهضة. لكن في عالمنا البديل، لم يحدث هذا الانقطاع.

ظلت مكتبة الإسكندرية تعمل كمركز علمي عالمي. العلماء البيزنطيون والفرس والعرب لم يضطروا إلى البدء من الصفر، بل بنوا مباشرة على أعمال إراتوستينس (الذي قاس محيط الأرض بدقة مذهلة)، وأريستارخوس (الذي اقترح نموذج مركزية الشمس قبل كوبرنيكوس بـ 1800 عام)، وهيرون الإسكندري (الذي اخترع أول محرك بخاري بدائي).

سيناريو بديل: بحلول عام 800 ميلادي، تكون نظريات مركزية الشمس مقبولة على نطاق واسع. يبدأ العلماء في بغداد والقاهرة وقرطبة في تطوير التلسكوبات البدائية، وتزدهر دراسة علم التشريح والجراحة بفضل النصوص المحفوظة لهيروفيلوس، مما يؤدي إلى فهم الدورة الدموية قبل ويليام هارفي بقرون.

عالم بلا خرائط مفقودة

احتوت المكتبة على خرائط وتقارير رحالة من جميع أنحاء العالم المعروف، من رحلة حانون القرطاجي حول سواحل إفريقيا إلى سجلات حملات الإسكندر الأكبر في الهند. ضياع هذه المعرفة الجغرافية جعل الأوروبيين في العصور الوسطى يعتمدون على خرائط غير دقيقة وتكهنات أسطورية.

في عالمنا البديل، المعرفة الجغرافية للعالم القديم لم تُفقد بل تم تحديثها باستمرار. معرفة محيط الأرض الدقيق، ووجود محيطات شاسعة، وربما حتى تقارير غامضة عن أراضٍ بعيدة عبر المحيط، كانت ستبقى جزءًا من المعرفة العامة.

سيناريو بديل: بدلاً من "اكتشاف" أمريكا عن طريق الخطأ في عام 1492، تبدأ رحلات استكشافية منظمة ومدروسة عبر الأطلسي في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر، بناءً على حسابات رياضية دقيقة ومعرفة بوجود كتلة يابسة في الغرب. يتم "الاتصال" بالعالم الجديد بطريقة أقل صدمة وأكثر استعدادًا.

الثورة الصناعية تصل قبل ألف عام

كانت الإسكندرية مركزًا للهندسة الميكانيكية. أعمال "هيرون" و"أرخميدس" و"كتيسيبيوس" وصفت آلات معقدة مثل المحرك البخاري (الأيوليبايل)، والساعات المائية الدقيقة، والأبواب الأوتوماتيكية، والرافعات المركبة. في عالمنا، تم التعامل مع هذه الاختراعات كـ"ألعاب" و"عجائب" ولم يتم استغلال إمكاناتها الكاملة.

لكن مع استمرار تراكم المعرفة الهندسية، كان من الحتمي أن يتم تحويل هذه الأفكار النظرية إلى تطبيقات عملية. الحفاظ على الرياضيات المتقدمة والهندسة كان سيوفر الأساس النظري اللازم لهذه القفزة.

سيناريو بديل: في القرن العاشر الميلادي، يقوم مهندسون في الإمبراطورية البيزنطية أو العالم الإسلامي بتطوير محركات بخارية عملية لضخ المياه من المناجم وتشغيل المناشير في ورش الأخشاب. تبدأ ثورة صناعية بطيئة ولكن ثابتة، مما يغير وجه الإنتاج والحرب والمجتمع قبل وقت طويل من جيمس واط.

كنوز أدبية وفلسفية لم تُفقد

الخسارة الأكثر مأساوية هي النصوص التي لا نعرف حتى أننا فقدناها. يقدر المؤرخون أننا لا نملك اليوم سوى أقل من 10% من الأدب اليوناني القديم. فقدنا 113 مسرحية لسوفوكليس (لم يتبق سوى 7)، وعشرات الأعمال لأرسطو، وتاريخًا كاملاً كتبه المؤرخ البابلي "بروسوس".

في عالم المكتبة الباقية، سيكون تراثنا الفلسفي والأدبي أكثر ثراءً بشكل لا يصدق. سيكون لدينا فهم أعمق للحضارات القديمة، ومدارس فلسفية كاملة لم نسمع بها، وقصائد وملاحم من شأنها أن تنافس الإلياذة والأوديسة.

سيناريو بديل: النقاشات الفلسفية في جامعات أوروبا في العصور الوسطى لا تقتصر على أرسطو وأفلاطون، بل تشمل عشرات المفكرين الآخرين من الرواقيين والأبيقوريين وغيرهم، مما يخلق مشهدًا فكريًا أكثر تنوعًا وتعقيدًا. قد لا تسيطر الدوغمائية الدينية بنفس القوة في ظل وجود هذا الكم الهائل من وجهات النظر المتنافسة.

هل كان العالم سيكون أفضل؟

قد يبدو أن العالم الذي نجت فيه المكتبة هو يوتوبيا علمية، عالم تجنب ألف عام من الركود. لكن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة. ربما كانت الثورة الصناعية المبكرة ستؤدي إلى مشاكل بيئية مبكرة، وربما كانت الأسلحة الأكثر تطورًا ستجعل الحروب أكثر فتكًا. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن فقدان مكتبة الإسكندرية كان بمثابة "إعادة ضبط" قسرية للحضارة. لقد أُجبرنا على إعادة تعلم ما كنا نعرفه بالفعل. إن الحلم بعالم لم تُحرق فيه المكتبة هو حلم بعالم أكثر اتصالاً بماضيه، وأسرع وصولاً إلى مستقبله.

لمحة عن الكاتب

أحمد القاسم
مدير موقع العقل الغريب

إرسال تعليق