سجلات المنبوذ الحقيقي
القصة الحقيقية المذهلة للبحار الذي ألهم رواية "روبنسون كروزو"
الفصل الأول: الرجل وليس الأسطورة
قبل أن يكون هناك روبنسون كروزو، كان هناك ألكسندر سيلكيرك (Alexander Selkirk). لم يكن سيلكيرك تاجرًا إنجليزيًا نبيلًا، بل كان بحارًا اسكتلنديًا مشاكسًا وعنيدًا، يعمل كـ"قرصان مفوض" (Privateer) - وهو قرصان يعمل بترخيص من الحكومة لمهاجمة سفن الأعداء. في عام 1704، كان يعمل على متن سفينة تُدعى "سينك بورتس" (Cinque Ports) في رحلة استكشافية قبالة سواحل أمريكا الجنوبية.
كان سيلكيرك بحارًا ماهرًا، لكنه كان معروفًا بمزاجه الحاد. دخل في جدال عنيف مع قبطان السفينة، توماس سترادلينغ، حول سلامة السفينة. كان سيلكيرك مقتنعًا بأن السفينة متداعية وبحاجة ماسة للإصلاح، وأنها ستغرق قبل أن تصل إلى الوطن. وصل الخلاف إلى ذروته عندما توقفت السفينة عند أرخبيل خوان فرنانديز غير المأهول، على بعد حوالي 670 كيلومترًا من سواحل تشيلي.
الفصل الثاني: اختيار مصيري
هنا يكمن الاختلاف الجوهري الأول عن الرواية. سيلكيرك لم يتعرض لحطام سفينة. في نوبة غضب وعناد، أعلن أنه يفضل البقاء على الجزيرة على المخاطرة بحياته على متن ما اعتبرها "سفينة ميتة". ربما كان يتوقع أن يشاركه بحارة آخرون في تمرده، لكن لم يفعل أحد. أخذ القبطان سترادلينغ كلامه على محمل الجد وأمر بإنزاله على الجزيرة.
تُرك سيلكيرك مع القليل من الأدوات: بندقية، بعض البارود، سكين، فأس، بعض أدوات الملاحة، ونسخة من الإنجيل. بمجرد أن رأى سيلكيرك السفينة وهي تبتعد وتبحر بعيدًا، أدرك حجم قراره الكارثي. ركض على طول الشاطئ يائسًا، يصرخ ويتوسل ليأخذوه معهم، لكن السفينة اختفت في الأفق، تاركة إياه وحيدًا مع عواقب عناده.
من عجائب القدر، كان حدس سيلكيرك صحيحًا. غرقت سفينة "سينك بورتس" بالفعل بعد فترة وجيزة، ونجا عدد قليل فقط من طاقمها ليتم أسرهم من قبل الإسبان.
الفصل الثالث: أربع سنوات وأربعة أشهر من العزلة
بدأت حياة سيلكيرك على الجزيرة، التي تُعرف الآن باسم "جزيرة روبنسون كروزو"، باليأس. في البداية، بقي على الشاطئ، يتغذى على المحار ويراقب الأفق أملًا في عودة سفينة. كانت أصوات "أسود البحر" الصاخبة والمخيفة تطارده ليلاً، وكان على وشك الانهيار النفسي.
لكن غريزة البقاء سيطرت عليه. انتقل إلى داخل الجزيرة، حيث اكتشف عالمًا أكثر ودية. كانت الجزيرة مليئة بالماعز الوحشي الذي تركه بحارة سابقون. في البداية، كان يصطادها ببندقيته، ولكن عندما نفد البارود، اضطر إلى الاعتماد على مهاراته البدنية. أصبح سريعًا وقويًا لدرجة أنه كان يستطيع مطاردة الماعز والقبض عليه بيديه. قام بترويض بعضها ليوفر لنفسه مصدرًا مستمرًا للحليب واللحم. استخدم جلودها لصنع ملابس بدائية.
واجه مشكلة أخرى: الفئران التي كانت تقرض ملابسه وقدميه أثناء نومه. لحل هذه المشكلة، قام بترويض القطط الوحشية التي كانت تعيش على الجزيرة، والتي أصبحت رفاقه وحراسه. بنى لنفسه كوخين من خشب الفلفل، وقضى وقته في القراءة بصوت عالٍ من إنجيله للحفاظ على قدرته على الكلام وعقله من الانهيار. كان يرى السفن من بعيد مرتين، لكنها كانت سفنًا إسبانية، وبصفته قرصانًا بريطانيًا، كان يخشى أن يتم أسره وتعذيبه، فكان يختبئ منها.
الفصل الرابع: الإنقاذ والعودة
في 2 فبراير 1709، بعد أربع سنوات وأربعة أشهر، وصلت سفينتان بريطانيتان بقيادة القبطان وودز روجرز. عندما نزل الطاقم إلى الشاطئ، صُدموا برؤية رجل يرتدي جلود الماعز، يكاد لا يستطيع التحدث بكلمات مفهومة من قلة الاستخدام. كان روجرز، الذي كان يعرف قصة سيلكيرك، مندهشًا من حالته البدنية الممتازة وعقله السليم.
انضم سيلكيرك إلى طاقم روجرز وساعدهم في استعادة صحتهم بفضل معرفته بالجزيرة. عاد إلى إنجلترا عام 1711 كرجل ثري من غنائم القرصنة وأصبح شخصية مشهورة. تم نشر قصة بقائه على قيد الحياة في كتاب روجرز "رحلة إبحار حول العالم"، وأصبحت حديث المقاهي في لندن.
الفصل الخامس: ولادة روبنسون كروزو
التقط الكاتب والصحفي دانيال ديفو هذه القصة الحقيقية ورأى فيها بذرة لشيء أعظم. في عام 1719، نشر روايته "حياة ومغامرات روبنسون كروزو الغريبة والمدهشة". لكن ديفو قام بتغييرات دراماتيكية:
ألكسندر سيلكيرك (الواقع) | روبنسون كروزو (الخيال) |
---|---|
بقي على الجزيرة باختياره | تعرض لحطام سفينة |
4 سنوات و 4 أشهر | 28 عامًا |
كان وحيدًا تمامًا | وجد رفيقًا (فرايدي) وحارب آكلي لحوم البشر |
قصة بقاء عملية | قصة رمزية عن الحضارة والخطيئة والفداء |
لقد أخذ ديفو الهيكل العظمي لقصة سيلكيرك وأضاف إليه لحمًا من المغامرة، والدراما، والفلسفة، والدين. لقد حوّل قصة بحار عنيد إلى أسطورة عالمية خالدة عن قدرة الإنسان على بناء حضارة من لا شيء.