هل تعلم أن أول قصة خيال علمي كُتبت في القرن الأول؟

هل تعلم أن أول قصة خيال علمي كُتبت في القرن الثاني؟

هل تعلم أن أول قصة خيال علمي لم يكتبها جول فيرن أو هربرت جورج ويلز، بل كاتب سوري في القرن الثاني الميلادي؟

الفصل الأول: المؤلف المنسي

عندما نتحدث عن الخيال العلمي، تقفز إلى أذهاننا أسماء مثل جول فيرن وروايته "من الأرض إلى القمر" (1865)، أو هربرت جورج ويلز وروايته "آلة الزمن" (1895). لكن قبل هؤلاء العمالقة بـ 1700 عام، كان هناك رجل يدعى لوقيانوس السميساطي (Lucian of Samosata). وُلد لوقيانوس في سميساط، وهي مدينة قديمة تقع على نهر الفرات في سوريا الرومانية (تركيا حاليًا)، وكان يكتب باللغة اليونانية، اللغة الثقافية للعالم الروماني آنذاك. كان لوقيانوس معروفًا بكونه خطيبًا وساخرًا لاذعًا، وقد كتب أكثر من 80 عملاً باقياً حتى اليوم.

في حوالي عام 175 ميلاديًا، كتب لوقيانوس عملًا غير عاديًا أطلق عليه بسخرية اسم "قصة حقيقية" (Vera Historia). هذا العمل لم يكن مجرد قصة مغامرات، بل كان أول نص أدبي مسجل في التاريخ يحتوي على جميع العناصر التي نربطها اليوم بالخيال العلمي الحديث.

الفصل الثاني: حبكة أغرب من الخيال

تبدأ "قصة حقيقية" كرحلة بحرية عادية يقوم بها لوقيانوس مع خمسين من رفاقه. لكن الأمور تأخذ منعطفًا غريبًا بسرعة. تضرب عاصفة عنيفة سفينتهم وترفعها في الهواء لمدة سبعة أيام وسبع ليالٍ، حتى تصل إلى القمر. هنا تبدأ المغامرة الحقيقية. يجدون أنفسهم في وسط حرب ضروس بين ملك القمر، إنديميون، وملك الشمس، فايتون، للسيطرة على استعمار كوكب الزهرة. إنها أول حرب فضائية مسجلة في الأدب.

يصف لوقيانوس سكان القمر "السيلينيين" (Selenites)، وسكان الشمس "الهيليوتيين" (Heliotes)، وجيوشهم المكونة من مخلوقات هجينة مذهلة. بعد انتهاء الحرب، يواصل لوقيانوس ورفاقه رحلتهم، فيبتلعهم حوت عملاق يبلغ طوله 300 كيلومتر، ويعيشون في داخله لمدة عامين، حيث يكتشفون أممًا كاملة من شعوب الأسماك تعيش في هذا العالم الداخلي. تتوالى المغامرات الغرائبية، من الإبحار في بحر من الحليب إلى اكتشاف جزيرة من الجبن.

أبرز عناصر الخيال العلمي في القصة

  • السفر إلى الفضاء الخارجي: أول وصف لرحلة إلى القمر والشمس.
  • كائنات فضائية: وصف مفصل لحياة وسلوك سكان القمر والشمس.
  • الحروب بين الكواكب: معارك ملحمية بين جيوش فضائية للسيطرة على الكواكب.
  • الذكاء الاصطناعي/الحياة الصناعية: يصف لوقيانوس بئرًا في قصر ملك القمر، إذا نظرت فيه يمكنك رؤية كل ما يحدث على الأرض، وإذا استمعت إليه يمكنك سماع كل المحادثات. إنها نسخة بدائية من أجهزة المراقبة العالمية.
  • تكنولوجيا غريبة: يصف ملابس مصنوعة من الزجاج المنسوج، وسفنًا هي في الواقع مخلوقات حية.
  • استكشاف عوالم غريبة: من داخل الحوت إلى جزر مصنوعة من الفلين والجبن.

الفصل الثالث: الغرض الحقيقي (السخرية)

لماذا كتب لوقيانوس هذه القصة المجنونة؟ هل كان يتنبأ بالمستقبل؟ الجواب هو لا. كان هدفه الرئيسي هو السخرية. في مقدمة القصة، يوجه لوقيانوس تحذيرًا مباشرًا وصريحًا للقارئ، يقول فيه:

"أنا أكتب عن أشياء لم أرها قط، ولم أجربها، ولم أسمع بها من أي شخص آخر؛ أشياء، علاوة على ذلك، لا وجود لها على الإطلاق ولا يمكن أن توجد أبدًا. لذلك، يجب على قرائي ألا يصدقوا كلمة واحدة منها."

كان لوقيانوس يسخر من المؤرخين والشعراء والفلاسفة في عصره (مثل هوميروس في الأوديسة، وهيرودوت في تاريخه) الذين كانوا يروون حكايات لا تصدق عن رحلاتهم ومغامراتهم ويقدمونها كحقائق تاريخية. كانت "قصة حقيقية" هي طريقته ليقول: "هل تعتقدون أن قصصكم رائعة؟ سأريكم قصة رائعة حقًا، وسأكون صادقًا على الأقل بشأن كونها كذبة كاملة."

الفصل الرابع: الإرث الخالد

على الرغم من أنها كانت تهدف إلى أن تكون محاكاة ساخرة، إلا أن "قصة حقيقية" وضعت الأساس لكل الخيال العلمي الذي سيأتي بعدها. لقد أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على عمالقة الأدب. يمكن رؤية أصداء رحلات لوقيانوس في "رحلات جاليفر" (Gulliver's Travels) لجوناثان سويفت، وفي مغامرات البارون مونخهاوزن، وحتى في أعمال سيرانو دي برجراك. لقد أثبت لوقيانوس أن حدود الخيال يمكن أن تتجاوز الأرض وتصل إلى النجوم.

إنها شهادة على أن الرغبة الإنسانية في التساؤل "ماذا لو؟" - ماذا لو سافرنا إلى القمر؟ ماذا لو التقينا بكائنات أخرى؟ - ليست اختراعًا حديثًا، بل هي جزء من نسيج وعينا منذ فجر الحضارة. لقد فعل لوقيانوس ذلك أولاً، وبجرأة وذكاء وسخرية لاذعة.

الخلاصة: في المرة القادمة التي تشاهد فيها فيلمًا عن حرب النجوم أو تقرأ قصة عن استكشاف الفضاء، تذكر لوقيانوس السميساطي. تذكر أن أول رحلة خيالية إلى القمر لم تبدأ في كيب كانافيرال، بل بدأت على صفحة بردية كتبها ساخر سوري موهوب قبل ما يقرب من ألفي عام.

لمحة عن الكاتب

أحمد القاسم
مدير موقع العقل الغريب

إرسال تعليق