حرب كرة القدم: المباراة التي أشعلت فتيل حرب حقيقية بين دولتين

حرب المئة ساعة

لطالما كانت كرة القدم أكثر من مجرد لعبة؛ إنها شغف، وهوية، وكرامة وطنية. لكن في صيف عام 1969، تحولت هذه المشاعر إلى وقود أشعل حرباً حقيقية بين دولتين جارتين. هذه ليست قصة مباراة، بل قصة ثلاث مباريات كانت بمثابة الشرارة التي فجرت برميل بارود من التوترات السياسية والاجتماعية، لتكتب فصلاً دموياً في التاريخ يُعرف باسم "حرب كرة القدم".

برميل بارود ينتظر الشرارة

قبل صافرة البداية، كانت التوترات تغلي منذ سنوات. هاجر أكثر من 300 ألف مزارع سلفادوري إلى هندوراس المجاورة بحثاً عن الأراضي. لكن في عام 1969، أصدرت هندوراس قانوناً جديداً للإصلاح الزراعي يهدف إلى مصادرة الأراضي من المهاجرين السلفادوريين وإعادتها للهندوراسيين. أدى هذا إلى تصاعد الكراهية وبدء عمليات طرد جماعية، مما خلق أزمة إنسانية وسياسية هائلة. كانت الأجواء مشحونة، والبلدان على حافة الهاوية، وكل ما كان ينقصهما هو ذريعة.

ليلة من الجحيم في تيجوسيجالبا

في مباراة الذهاب من تصفيات كأس العالم، استضافت هندوراس منتخب السلفادور. في الليلة التي سبقت المباراة، تجمهر المشجعون الهندوراسيون حول فندق المنتخب السلفادوري طوال الليل، محدثين ضجيجاً بكل ما أوتوا من قوة لمنع اللاعبين من النوم. في الملعب، كان الجو عدائياً. فازت هندوراس 1-0 في الدقائق الأخيرة. بعد المباراة، انتشرت أعمال شغب، ووردت أنباء عن تعرض المشجعين السلفادوريين للاعتداء، مما أدى إلى تأجيج الغضب في وسائل الإعلام السلفادورية.

الانتقام في سان سلفادور

كانت مباراة الإياب أشبه بساحة معركة. تم نقل المنتخب الهندوراسي في عربات مصفحة. تم استقبالهم برشق الحجارة وتحطيم نوافذ فندقهم. بدلاً من النشيد الوطني الهندوراسي، رفع الجمهور السلفادوري قطعة قماش ممزقة. في جو من الترهيب المطلق، فازت السلفادور 3-0. اضطر الفريق الهندوراسي للهروب من الملعب والمغادرة فوراً. تصاعدت الهجمات ضد المقيمين الهندوراسيين في السلفادور، وردت هندوراس بمزيد من عمليات طرد السلفادوريين. كانت الدبلوماسية تحتضر.

المباراة الفاصلة تشعل الفتيل

في مباراة فاصلة على أرض محايدة، التقى الفريقان مرة أخيرة. فازت السلفادور 3-2 في الوقت الإضافي، لتتأهل إلى كأس العالم 1970. لكن النتيجة لم تعد مهمة. في نفس اليوم، قطعت الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية. كانت وسائل الإعلام في كلا البلدين تنشر قصصاً مروعة عن الفظائع المرتكبة ضد مواطنيها، مما رفع منسوب الكراهية إلى نقطة اللاعودة. لم تعد المسألة كرة قدم، بل أصبحت مسألة شرف وطني.

صافرة النهاية وبداية الحرب

في 14 يوليو 1969، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على المباراة الفاصلة، شنت القوات الجوية السلفادورية هجوماً على هندوراس، وبدأت القوات البرية بالتقدم. اندلعت "حرب المئة ساعة". على الرغم من أنها لم تدم طويلاً، إلا أنها خلفت وراءها آلاف القتلى من الجنود والمدنيين، ودمرت اقتصادي البلدين لعقود. لم تكن كرة القدم هي السبب، بل كانت الشرارة التي أضاءت طريق الحرب. لقد أظهرت بشكل مأساوي كيف يمكن لأجمل لعبة في العالم أن تصبح، في ظل الظروف الخاطئة، وقوداً لأبشع الصراعات الإنسانية.

إرسال تعليق