مقدمة: عندما تتجاوز الرياضة حدود المنطق
في عالم الرياضة، هناك قصص تتجاوز مجرد الفوز والخسارة، وتدخل في عوالم الأساطير واللعنات. قصة فريق شيكاغو كابز وماعز مورفي، ولعنة بامبينو مع بوسطن ريد سوكس، كلها حكايات شهيرة. لكن ربما لا توجد لعنة أكثر تحديداً وقسوة ودقة من تلك التي ألقاها المدرب العبقري بيلا غوتمان على نادي بنفيكا البرتغالي. إنها ليست مجرد قصة، بل هي سجل دامٍ من الهزائم امتد لعقود، وحوّل المجد إلى مأساة.
الفصل الأول: العصر الذهبي للمجد الذي لا يُقهر
قبل اللعنة، كان هناك مجد. في عام 1960، وصل المدرب المجري بيلا غوتمان إلى لشبونة. كان غوتمان شخصية فريدة: عبقري تكتيكي، ولكنه صعب المراس ودائم الترحال. تحت قيادته، تحول بنفيكا إلى قوة أوروبية ضاربة. اكتشف الأسطورة أوزيبيو، "الفهد الأسود"، وبنى فريقاً كان بمثابة أوركسترا كروية تعزف أجمل الألحان. وفي موسمين فقط، حقق المستحيل: فاز بكأس أوروبا (دوري أبطال أوروبا حالياً) مرتين متتاليتين في 1961 و1962، ليكسر هيمنة ريال مدريد المطلقة على البطولة. كان بنفيكا على قمة العالم.
اللحظة التي تغير فيها كل شيء
"لن يفوز بنفيكا بكأس أوروبية خلال المئة عام القادمة!"
الفصل الثاني: القسم المشؤوم
بعد قيادة الفريق إلى مجد أوروبي ثانٍ، شعر غوتمان أنه يستحق أكثر من مجرد التقدير. توجه إلى إدارة النادي بثقة وطلب زيادة متواضعة في راتبه. لكن الإدارة، في قرار سيُسجل كواحد من أسوأ القرارات في تاريخ كرة القدم، رفضت طلبه ببرود. شعر غوتمان بالإهانة والغدر. لم يكتفِ بالرحيل عن النادي، بل وهو يغادر، نطق بكلماته التي ستتحول إلى نبوءة مشؤومة، لعنة ستطارد النادي لأجيال: "ليس في مئة عام من الآن، لن يفوز بنفيكا بلقب أوروبي". ضحك المسؤولون وقتها، لكنهم لم يكونوا يعلمون أنهم قد أطلقوا للتو شبحاً سيظل يسكن أروقة ملعبهم لعقود.
سجل الهزائم: ثماني طعنات في قلب بنفيكا
بعد عام واحد فقط من رحيل غوتمان، وصل بنفيكا للنهائي. كانت هذه أول فرصة لدحض اللعنة، لكنهم خسروا 2-1. بداية السقوط.
مرة أخرى في النهائي، ومرة أخرى هزيمة. خسر بنفيكا بهدف نظيف على ملعب سان سيرو. اللعنة بدأت تترسخ.
في ويمبلي، قدم بنفيكا مباراة بطولية، لكنه انهار في الوقت الإضافي ليخسر 4-1. كانت هذه ثالث هزيمة في نهائي كأس أوروبا.
انتقل بنفيكا إلى كأس الاتحاد الأوروبي، على أمل تغيير الحظ، لكن اللعنة لحقت بهم. خسروا النهائي بمجموع المباراتين.
بعد مباراة انتهت بالتعادل السلبي، حُسم النهائي بركلات الترجيح. أهدر بنفيكا ركلة واحدة كانت كافية لتجديد الأحزان.
أقيم النهائي في فيينا، حيث دُفن غوتمان. قبل المباراة، ذهب الأسطورة أوزيبيو إلى قبر مدربه وصلى من أجل كسر اللعنة. لم تكن دموعه كافية. خسر بنفيكا 1-0.
في نهائي الدوري الأوروبي، استقبل بنفيكا هدفاً قاتلاً في الدقيقة 93. طعنة أخرى في الثواني الأخيرة لتستمر المأساة.
للمرة الثانية على التوالي في النهائي، وللمرة الثامنة في المجموع. خسر بنفيكا مرة أخرى بركلات الترجيح، لتكتمل فصول المأساة.
هل هي لعنة حقيقية أم عبء نفسي هائل تناقلته الأجيال؟ لا أحد يملك الإجابة القاطعة. لكن الأرقام لا تكذب: 8 نهائيات أوروبية، 8 هزائم. حتى اليوم، لا يزال شبح بيلا غوتمان يخيّم على ملعب النور. أمام جماهير بنفيكا الآن الانتظار حتى عام 2062، الموعد الذي تنتهي فيه المئة عام، على أمل أن يتحرر ناديهم أخيراً من أغرب وأقسى لعنة في تاريخ الرياضة.